فصل: باب السلب الذي لا يحرزه المنفل له

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **


  باب السلب الذي لا يحرزه المنفل له

ولو قال الأمير‏:‏ من قتل قتيلاً فله سلبه‏.‏

فرمى مسلم من صف المسلمين رجلاً في صف المشركين فقتله فله سلبه لأنه قتل مقاتلاً يحل له قتله وهو السبب لاستحقاق السلب بتنفيل الإمام‏.‏

فإن لم يعرض المشركون لسلبه حتى انهزموا فظفر المسلمون به قتيلاً عليه سلبه وعنده دابته فلذلك كله للقاتل لأن حقه تأكد فيه بمباشرة السبب ولم يعترض عليه ما يبطله إنما تأخر أخذه لعدم تمكنه أو لغفلة منه وذلك غير مبطل لحقه‏.‏

وإن كان المشركون أخذوا دابته وسلاحه والمسألة بحالها لم يكن للقاتل من سلبه شيء لأنه لم يحرزه حتى أخذه المشركون ولو كان محرزاً له فأخذه المشركون وأحرزوه بطل ملكه فكيف إذا لم يحرزه‏.‏

وبهذا تبين أن سبب استحقاقه قد انفسخ لأن الإمام إنما جعل القتل سبباً لاستحقاق السلب بالتنفيل لأن القاتل به يتمكن من الأخذ وقد زال هذا التمكن بأخذ المشركين إياه وبعد ما انفسخ السبب لا يكون له أثر في الحكم فيبقى هذا ما لهم وقع في أيدي المسلمين فهو غنيمة‏.‏

ولو لم يعلم أنهم أخذوا سلبه أو لم يأخذوه فما وجد عليه من سلبه فهو للقاتل وما وجد وقد نزع عنه فهو فيء لاعتبار الظاهر عند تعذر الوقوف على الحقيقة‏.‏

فإن كانوا جروه إليهم حين قتل وسلبه عليه ثم انهزموا فهو للذي قتله لأنهم جروه لكيلا تطأه الخيول لا لإحراز سلبه ألا ترى أن المجروح من المسلمين إذا جر برجله من بين الصفين لكيلا تطأه الخيول عمات كان شهيداً لا يغسل وهذا إذا كان الذين جروه غير ورثته‏.‏

فإن كان الوارث هو الذي جره فسلبه غنيمة لأن الظاهر أن الوارث إنما جره لإحراز سلبه‏.‏

فإنه يخلفه فيما كان له‏.‏

وقد كان هو محرزاً سلبه بلباسه فكذلك من يخلفه يجره إليهم‏.‏

فأما الأجنبي فما كان يخلفه في ملكه وإنما يكون محرزاً له إذا نزعه عنه لأنه يتملكه ابتداءً‏.‏

والملبوس تبع اللابس‏.‏

فإذا تركه عليه عرفنا أنه لم يقصد تملكه ابتداءً‏.‏

وإن لم يدر أن الذي جره كان وارثاً أو وصياً أو أجنبياً فالسلب للقاتل لأن سبب استحقاقه معلوم فما لم يعلم اعتراض ما يبطله يجب اعتباره في الحكم‏.‏

وكذلك إن وجدوا دابته عنده فهي للقاتل‏.‏

وإن وجدوها في يد رجل منهم كانت غنيمة لأن باعتراض يد أخرى عليها ينفخ حكم السبب الأول‏.‏

ولو وجدت بعدما سار العسكر منقلة أو منقلتين فهي للقاتل في القياس لأنه لا يظهر اعتراض يد أخرى مبطلة لحقه‏.‏

ولعها اتبعت العسكر عابرة من غير أن يأخذها أحد‏.‏

وفي الاستحسان هي غنيمة لأنها لم توجد في يد القتيل ولا في الموضع الذي كان يد القتيل عليها ثابتة فيه‏.‏

ولو أخذنا فيها بالقياس لزمنا أن نقول‏:‏ هي للقاتل‏.‏

وإن ساروا شهراً فرجعوا إلى مدائنهم - وهذا يقبح - فالظاهر أنها لا تمشي عابرة هكذا ولكنها تقف للعلف أو تتحول يمنة أو يسرة عن الطريق فإذا سارت مستوية على الطريق عرفنا أن سائقاً ساقها فكانت غنيمة إلا أن نعلم أنها ذهبت عابة فهي للقاتل حينئذ لأنه لم تعترض عليها يد أخرى وفعلها جبار لا يصلح أن يكون فاسخاً لسبب الاستحقاق الثابت للقاتل‏.‏

ولو أنهم أخذوا دابته فحملوا عليها القتيل مع سلاحه وساقوها منهزمين ثم ظفرنا بهم فذلك كله للقاتل لأنهم ما قصدوا إحراز ما عليه وإنما حملوه على دابته ليردوه إلى أهله‏.‏

فلا يكون ذلك غنيم لأن الابن لا يفعل ذلك إلا محرزاً له‏.‏

باعتبار أنه خليفة القتيل‏.‏

غيره يرد عليه وهو لا يرد على أحد‏.‏

وأحد الورثة في هذا المعنى كجماعتهم‏.‏

ألا ترى أنه يقوم مقام الميت في إثبات حقه وملكه وكذلك لو أوصى إلى رجل ففعل الوصي ذلك لأن الوصي خليفته بعد موته ففعله يكون إحرازاً كفعل الوارث سواء نزع منه سلبه أو لم ينزعه‏.‏

فإن كان الأجانب حين حملوه عليها مع سلاحه حملوا عليها أيضاً أمتعة لأنفسهم وساقوها فالدابة وما عليها غنيمة إلا ما على القتيل من السلب لأنهم قصدوا إحراز الدابة حين استعملوها في حوائجهم ولم يقصدوا إحراز سلبه حين لم ينزعوه عنه‏.‏

فإن كانوا علقوا عليها إداوة أو مخلاة فقط فالدابة وما عليها من سلب القتيل كله للقاتل لأن بهذا القدر لا يكونون محرزين لها‏.‏

فالإحراز بثبوت يدهم عليها‏.‏

وإنما تثبت اليد على الدابة بحمل مقصود بتعليق إداوة‏.‏

ألا ترى أن رجلين لو تنازعا في دابة لأحدهما عليها حمل وللأخر إداوة فإنه يقضى بها لصاحب الحمل المقصود‏.‏

ولو غيروا سرجها بإكاف أو بسرج غيره ولم يحملوا عليها غير القتيل وسلبه كله للقاتل لأن تغيير السرج بسرج آخر لا يكون دليلاً على أنهم قصدوا إحرازها أو أثبتوا أيديهم عليها‏.‏

وإنما يؤخذ في هذا ونحوه بما يكون عليه أكثر الرأي‏.‏

وما يكون فيه العلامات من أخذهم ذلك لأنفسهم أو غير ذلك‏.‏

والله أعلم‏.‏

  باب الاستثناء في النفل والخاص منه

وإذا قال الأمير‏:‏ من أصاب ذهباً أو فضة فله من ذلك الربع‏.‏

فهذا على التبر والمضروب سواء كان من ضرب المسلمين أو المشركين لأن اسم الذهب والفضة يتناول الكل حقيقة‏.‏

والاستحقاق بناء عليه‏.‏

ألا ترى أنه لو استثنى بهذا الاسم وقال‏:‏ من أصاب شيئاً فهو له إلا ذهباً أو فضة كان الكل مستثنى بهذا الاسم‏.‏

فكذلك إذا بني الإيجاب عليه‏.‏

ألا ترى أن وجوب الزكاة في الذهب والفضة باعتبار العين وكذلك وجوب التقايض عند مبادلة البعض بالبعض وحرمة الفضل عند اتحاد الجنس‏.‏

وكان التبر والمضروب في ذلك سواء‏.‏

وهذا بخلاف ما إذا حلف لا يشتري ذهباً أو فضة فاشترى دراهم أو دنانير لم يحنث‏.‏

لأنه عقد اليمين هناك على المشتري وذلك لا يتم إلا بالبائع‏.‏

وبائع المضروب يسمى صيرفياً‏.‏

وإنما يسمى بائع الذهب من يبيع غير المضروب فأما هاهنا فعلق الاستحقاق بحقيقة الاسم فعروضه من اليمين أن لو حلف لا يمس ذهباً ولا فضة‏.‏

وذلك يتناول المضروب وغير المضروب‏.‏

ثم الإيجاب بطريق التنفيل بمنزلة الإيجاب بالوصية‏.‏

ولو أوصى لغيره بالذهب أو الفضة من ماله يتناول ذلك المضروب وغيره ولو قال‏:‏ من أصاب حديداً فهو له ومن أصاب غير ذلك فله نصفه‏.‏

فما أصاب رجل من الحديد تبراً أو إناء من حديد أو سلاح أو سكاكين أو سيوف فهو له كله لأن اسم الحديد لذلك كله‏.‏

فإن بالصنعة لا يتبدل اسم العين لأنه لا ينعدم به ما هو المقصود بالعين بل يتقرر وهو معنى البأس‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ‏}‏ فأما جفون السيف وأنصبة السكاكين وغلفها فله نصفه لأنه ليس بحديد‏.‏

فإنما يستحق النفل بقوله‏:‏ ومن أصاب غير ذلك فله نصفه‏.‏

إلا أنه يؤخذ نصف ذلك منه أو نصف قيمته إن كان نزع ذلك يضر به لأنه صاحب الأصل وحق الغانمين ثابت في نصف ما هو تبع‏.‏

إلا أن الضرر مدفوع عنه‏.‏

فإذا احتبس عنده لوجوب دفع الضرر عنه كان عليه قيمته‏.‏

بمنزلة بناء مشترك بين اثنين في أرض أحدهما فإن لصاحب الأرض أن يتملك على شريكه نصيبه من البناء بالقيمة لهذا المعنى‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب بزاً فهو له فأصاب ثوب ديباج أو بزبون أو أكسية صوف لم يكن له لأن اسم البز لا يتناول هذه الأشياء إنما يتناول اسم القطن والكتان خاصة‏.‏

ألا ترى أن البزاز في الناس من يبيع ثوب القطن والكتان وسوق البزازين الموضع الذي فيه ثوب القطن والكتان دون الديباج والكساء فكأنه بني على عادة أهل الكوفة‏.‏

فأما في ديارنا فمن يبع ثوب القطن والكتان يسمى كرابيساً‏.‏

فلو أصاب كتاناً أو قطناً غير مغزول أو مغزولاً غير منسوج لم يكن له من ذلك شيء لأن اسم البز يتناول الملبوس ولا يتناول الغزل عادة‏.‏

ألا ترى أن بائعه يسمى قطاناً وغزالاً ولا يسمى بزاراً ولو قال‏:‏ من أصاب ثوباً فهو له فأصاب ثوب ديباج أو بزيون مما يلبسه الناس أو فرواً أن كساء فهو له لأن اسم الثوب عادة يطلق على ملبوس بني آدم فكل ما يلبسه الناس عادة فهو داخل في هذا الإيجاب ما خلا الخف والعمامة والقلنسوة لا يحصل بهما الاكتساء‏.‏

ألا ترى أن كفارة اليمين لا تتأدى بالكسوة إذا أعطي كل مسكين قلنسوة أو عمامة أو خفين إلا أن يجعل ذلك مكان الطعام إذا كان يساوي ذلك‏.‏

ومن حلف لا يلبس ثوباً فلبس عمامة أو قلنسوة لم يحنث‏.‏

ولو أصاب مسحاً أو بساطاً أو ستراً أو فراشاً لم يكن ذلك له لأن هذا لا يلبسه الناس عادة وإنما يتمتعون به في البيوت‏.‏

وإنما يتناوله اسم المتاع لا اسم الثوب‏.‏

حتى لو قال‏:‏ من أصاب متاعاً فهو له استحق ذلك كله وملبوس الناس أيضاً لأن ذلك كله من المتاع فالمتاع اسم لما يستمتع به‏.‏

وكذلك يستحق الأواني عند إطلاق اسم المتاع وإن لم يذكره نصاً لأنه لو قال‏:‏ من أصاب متاعاً دون الآنية فأصاب طاساً أو إبريق وقماقم وقدوراً من نحاس لم يكن له من ذلك شيء لأن هذا من الآنية وقد استثناها من المتاع فهو دليل على أنه عند عدم الاستثناء يستحق ذلك كله‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب فضة أو ذهباً فأصاب سيفاً محلى بفضة أو ذهب كان له الحلية لأن الاسم يتناوله حقيقة‏.‏

ألا ترى أن حكم الصرف يثبت في حصة الحلية في البيع وكذلك إن أصاب سرجاً مفضضاً فله الفضة من ذلك كله خاصة‏.‏

ولو وجد أبواباً فيها مسامير فضة أو ذهب إن نزعت تفككت الأبواب لم يكن له من ذلك شيء‏.‏

قال‏:‏ لأن الغالب غير الفضة والذهب‏.‏

يعني أن المسامير في حكم المستهلكة حين كانت مغيبة‏.‏

والمقصود من الذهب والفضة التزين بها وفي المسامير المقصود الانتفاع لا التزين بخلاف حلية السرج والسيف فهو - ظاهراً - يقصد به التزين‏.‏

ولأن المسمار صار تبعاً محضاً من حيث أنه إذا نزع لا يبقى اسم الباب والمصاب باب‏.‏

وفي العادة لا يسمى هذا باباً من ذهب وإن كان فيه مسامير ذهب بخلاف السرج واللجام فإنه يقال‏:‏ إنه مفضض لما عليه من الفضة‏.‏

ولو وجد حلي فضة أو ذهب مرصعاً بفصوص أو خاتم فضة فيه فص فالفصوص كلها غنيمة لأن اسم الذهب والفضة لا يتناولها حقيقة‏.‏

والحلي له لأن اسم الذهب والفضة يتناوله حقيقة ولم يغلب عليه اسم آخر‏.‏

ألا ترى أن الصليب ينسب إلى ما صيغ منه من الذهب أو الفضة دون ما فيه من الفصوص‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب ياقوتاً أو زمرداً فأصاب حلياً مفضضاً فيه الياقوت والزمرد فأن ذلك ينزع ويدفع إليه لأن الاسم باق له حقيقة وإن ركب في الفضة أو الذهب لأنه لم يعترض عليه اسم آخر يزيله‏.‏

وكذلك لو أصاب خاتماً فيه فص ياقوت أو زمرد فإن ذلك يقلع ويدفع إليه لأنه ليس في نزعه ضرر على المسلمين فيما هو المقصود لهم وهو المالية‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب حديداً فهو له‏.‏

فأصاب سرجه ركاباه من حديد نزع الركابان له لأن الاسم فيهما باق حقيقة‏.‏

يقال‏:‏ ركاب من حديد وركاب من خشب وليس في النزع ضرر‏.‏

ولو كان في السرج مسامير حديد‏.‏

أو ضبة حديد إن نزعت تفكك السرج لم يكن له منه شيء لأن هذا بمنزلة المستهلك فيه على معنى أنه استعمل لمنفعة السرج لا للزينة بمنزلة المسامير في الأبواب‏.‏

ألا ترى أنه لو أصاب سفينة مضببة بالحديد إن نزعت تخلعت السفينة لم يكن له من ذلك شيء وهذا هو الأصل في جنس هذه المسائل إن كل شيء كن مستعملاً في عين آخر لا للزينة بل لينتفع به باسم غير الاسم الذي أوجب به المطلوب من الانتفاع بالعين ثم إن كان ينزع بغير ضرر فاحش نزع لحقه‏.‏

وإن تفاحش الضرر في نزعه بيع فيقسم الثمن على قيمة ما يتناوله النفل وقيمة ما لم يتناوله النفل بمنزلة ما لو انصبغ ثوب إنسان بصبغ غيره وأبى صاحب الثوب أن يغرم قيمة الصبغ فإنه يباع الثوب ويقسم الثمن بينهما على قيمة ملك كل واحد منهما‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب قزاً فهو له فأصاب قباء أو جبة حشوها قز لم يكن له ذلك لأن الحشو مغيب‏.‏

وكان المقصود من اتخاذه في البقاء والجبة الانتفاع به دون الزينة للرجال في غير حالة الحرب‏.‏

ولو قال قائل‏:‏ يستحق هذا لم يجد بداً من أن يقول‏:‏ إذا أصبا ثوباً سداه قز ولحمته غير القز أليس أنه يستحق السدي وهو بعيد جداً‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب ثوب قز فهو له فأصاب جبة ظهارتها أو بطانتها قز فله الثوب الذي هو قز منهما والآخر في الغنيمة لأن اسم الثوب يتناول كل واحد من الظهارة والبطانة على انفراد‏.‏

وأحدهما غير غالب على صاحبه بل كل واحد منهما ظاهر على الحقيقة ومن حيث الحكم يكره للرجال ليس هذا الثوب فهو بمنزلة حلية السيف‏.‏

ثم يباع ويقسم الثمن كما بينا لأن الضرر فاحش في نزع الظهارة من البطالة‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب جبة حرير فهي له‏.‏

فأصاب جبة ظهارتها أو بطانتها حرير فالمعتبر الظهارة هاهنا لأن الجبة منسوبة إلى الظهارة عادة والبطانة في النسبة تبع للظهارة ثم الإيجاب له كان باسم الجبة‏.‏

وهذا الاسم لا يتناول الظهارة بدون البطانة فلهذا استحق الكل‏.‏

بخلاف ما سبق فالإيجاب هناك باسم الثوب والظهارة بدون البطانة تسمى ثوباً‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصباب ذهباً فهو له فأصاب ديباجاً منسوجاً بالذهب فإن كان الذهب مستعملاً في سدي الثوب فليس له منه شيء‏.‏

بمنزلة القز الذي هو سدي الثوب‏.‏

وإن كان الذهب فيه بيناً يرى فإنه يستحق الذهب دون غيره‏.‏

والطريق فيه البيع كما ذكرنا لأن المعتبر هو اللحمة دون السدي‏.‏

ألا ترى أن ما يكون سداه قزاً وإبريسماً يحل لبسه للرجال كالعتابى وما يكون لحمته إبريسماً لا يحل لبسه للرجال‏.‏

يوضحه أنه باللحمة يصير ثوباً‏.‏

فعرفنا أنه منسوب إلى اللحمة دون السدي‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب حريراً فأصاب جبة لبنتها من حرير أو ثوباً عمله من حرير لم يكن له منه شيء لأن هذا تبع محض‏.‏

ألا ترى أنه لا بأس بلبس هذا الثوب للرجال وكذلك لو قال‏:‏ من أصاب ذهباً فأصاب ياقوتاً فيه مسمار ذهب أو خاتم فضة في فصها مسمار ذهب لم يكن له من ذلك شيء لأنه مضبب وتبع محض‏.‏

ألا ترى أنه لو أصاب أسيراً مضبب الأسنان بالذهب لم يكن له ذلك الذهب‏.‏

ولو أصاب أسيراً قد اتخذ أنفاً من ذهب كان له الذهب لأن الأنف بائن من جسده فإنه يربطه بخيط وينزعه متى شاء فلم يكن تبعاً محضاً‏.‏

بخلاف الأسنان وهذا كله استحسان‏.‏

وفي القياس‏:‏ يستحق ذلك كله لبقاء الاسم حقيقة‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب ثوب خز فهو له‏.‏

فأصاب جبة خز بطانتها سمور أو فنك لم يكن له إلا الظهارة لأنه أوجب باسم الثوب‏.‏

وقد بينا في هذا أن البطانة لا تكون تبعاً للظهارة في القز‏.‏

فكذلك في الخز ولو كان التنفيل باسم الجبة كان الجواب كذلك ههنا‏.‏

لأن السمور والفنك لا يكون تبعاً للخز في النسبة بحال‏.‏

وكذلك لو قال‏:‏ من أصاب ثوب فتك فله الفنك دون الظهارة لأن اسم الثوب والجبة يتناول الفنك بدون الظهارة والظهارة لا تتبع البطانة في النسبة‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب شيئاً من البزيون‏.‏

فأصاب جبة البدن منها بزيون والكمان والدخاريص ديباج فله البدن خاصة لأن بعض هذا ليس يتبع للبعض‏.‏

فلو كانت كلها بزيوناً إلا اللبنة فهي للمصيب كلها لأن اللبنة تبع محض‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب جبة بزيون فأصاب جبة بدنها بزيون وما سوى البدن ديباج أو على عكس ذلك للم يكن له منها شيء لأن ما أصاب ليس بجبة بزيون‏.‏

ألا ترى أنه إذا نزع منها الديباج لا يسمى ما بقي جبة‏.‏

وإنما جعل الشرط إصابة جبة بزيون‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب فضة أو ذهباً‏.‏

فأصاب قصعة مضببة بهما‏.‏

فإن كان جعل ذلك للزينة فله الذهب والفضة‏.‏

وعلامة ذلك أنها لو نزعت تبقى قصعة‏.‏

وإن كانت الضبة جعلت لكسر القصعة بحيث لو نزعت لم تكن قصعة أو سقط منها كسرة‏.‏

فهذا بمنزلة المسامير لأنها استعملت فيها للمنفعة لا للزينة‏.‏

فكانت تبعاً محضاً‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب شعراً فهو له فأصاب جلود معز عليها الشعر أو أنماط شعر أو ستر شعر أو مسوحاً لم يكن له ذلك لأن اسم الشعر لا يتناول غير المحلوق من الجلد عادة ولا يتناول الثوب المتخذ من الشعر‏.‏

بمنزلة اسم القطن والكتان فإنه لا يتناول الثوب المتخذ منه‏.‏

ألا ترى أنه لا مجانسة بين مثل هذا الثوب وبين الأصل الذي اتخذ منه فعرفنا أنه بالصنعة صار شيئاً آخر‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب خزاً فأصاب جلود خز أو خزاً قد فإن قيل‏:‏ بعد الحلق أينسب الجلد إلى الخز فيقال‏:‏ هو خز بخلاف جلود المعز والضأن فإنها لا تنسب إلى ما عليها من الشعر والصوف لأن أحداً لا يقول جلد الصوف‏.‏

ولو أصاب ثوب خزز فهو له لأن الثوب منسوب إلى الخز مطلقاً بخلاف ما لو قال‏:‏ من أصاب صوفاً أو بزيوناً فأصاب ثوب بزيون أو ثوب صوف لأن بعد النسج لا يسمى صوفاً ولا بزيوناً مطلقاً بل مقيداً بالثوب بمنزلة القطن والكتان‏.‏

ولو أصاب خزاً مغزولاً كان له لأن بعد الغزل يسمى خزاً مطلقاً بخلاف القطن والكتان فصار الحاصل في الخز أن الاسم ينطلق عليه على أي وجه كان‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب جبة خز أو جبة مروية فهي له فأصاب جبة بطانتها وظهارتها فنك أو سمور فهي غنيمة وكذلك لو كانت ظهارتها مروية وبطانتها من فنك أو سمور لأن هذه تنسب عادة إلى الفنك والسمور دون الخز والمروي‏.‏

على معنى أن الاسم ينطلق على الفنك والسمور مقصوداً دون الظهارة فإنه يسمى جبة ولا ينطلق على الخز والمروي‏.‏

على معنى أن الاسم ينطلق على الفنك والسمور مقصوداً دون الظهارة فإنه يسمى جبة ولا ينطلق على الخز والمروي الذي هو ظهارة بدون البطانة‏.‏

فإنما الأصل في النسبة ما يتناوله الاسم وحده دون ما لا يتناوله الاسم وحده‏.‏

وإن أصاب جبة خز بطانتها مروية أو قوهية‏.‏

كانت له الظهارة دون البطانة‏.‏

من قبل أن هذه الجبة لا تنتسب إلى البطانة إذ البطانة بانفرادها لا تسمى جبة‏.‏

وقد ينطلق اسم الجبة على الظهارة من الخز بغير البطانة‏.‏

فلهذا يستحق الظهارة دون البطانة‏.‏

وقد ذكر قبل هذا في الحرير أنه يستحق الظهارة والبطانة جميعاً‏.‏

فقيل‏:‏ فيه روايتان وقيل‏:‏ بينهما فرق لأن الظهارة من الحرير بدون البطانة لا تسمى جبة حقيقة ولا مجازاً ومن الخز تسمى جبة وإن كان مجازاً‏.‏

فإذا كانت البطانة من سمور أو فنك يستعمل اللفظ حقيقة فيسقط اعتبار المجاز‏.‏

وإذا كان مروياً فقد تعذر استعمال اللفظ حقيقة فيستعمل بطريق المجاز ويجعل له الظهارة خاصة‏.‏

ألا ترى أنه لو قال‏:‏ من أصاب جبة خز أو سمور أو فنك‏.‏

فأصاب شيئاً من ذلك ظهارته وشي أو حرير لم يكن له الظهارة وكان له ما سوى ذلك لأن اسم الجبة يتناول ما سوى الظهارة إما حقيقة أو مجازاً والظهارة لا تكون تبعاً للبطانة بحال‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب قلنسوة ظهارتها على ما قال وبطانتها وحشوها من غير ذلك كان له الكل لأنها لا تكون قلنسوة بدون البطانة والحشو‏.‏

ولو صمد الجبة على رجل بعينه فقال‏:‏ من أصاب هذه الجبة الخز فهي له‏.‏

فأصابها إنسان فإذا هي مبطنة بفنك أو سمور فالكل للمصيب هاهنا لأنه بنى الاستحقاق هنا على اليقين بالإشارة دون الاسم والنسبة فكل واحد منهما للتعريف‏.‏

إلا أن التعريف بالإشارة يسقط اعتبار النسبة لأن الإشارة أبلغ بخلاف جميع ما سبق‏.‏

واستوضح هذا بالوصية بجبة الخز والجواب فيه كالجواب في النفل‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب جبة مروية فهذا على الظهارة‏.‏

لما بينا أن النسبة إلى الظهارة وهي لا تسمى جبة بدون البطانة والحشو يتبع لهما فيستحق الكل‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب جبة خز فاصاب جبة خز بطانتها غير الخز وهي محشوة بقز أو قطن فله الظهارة خاصة لأن الظهارة من الخز تسمى جبة بانفرادها مجازاً‏.‏

فلا يستحق البطانة بهذا الاسم وإذا لم يستحق البطانة لم يستحق الحشو‏.‏

ولو قال‏:‏ من أصاب قباء مروياً فأصاب قباء بطانته غير مروي وحشوه كذلك فله الظهارة وحدها هناك تسمى قميصاً لا جبة‏.‏

ولو كانت الظهارة والبطانة مرويتين والحشو من غيره استحق الكل لأنه لما استحق الظهارة والبطانة استحق الحشو تبعاً‏.‏

الا ترى أنه لو قال‏:‏ من أصاب قباء استحق الحشو تبعاً للظهارة والبطانة وإن لم يكن الحشو قباء فكذلك عند التقيد يستحق الحشو وإن لم يكن مروياً‏.‏

والسروايل بمنزلة القباء في جميع ما قلنا لأنه لا يسمى سراويل مبطناً كان أو غير مبطن‏.‏